Khayr al-Dīn ibn Ilyās, Kitāb Falāḥ al-fallāḥ, ‘The Successful Farmer’.
(transcription of manuscript No. 894, King Saud University Library, Riyadh)



الباب الثالثـــــــــــــ

فيما يكثر الماء في الابار (١٢) والانهار وقد يحيل طعمها من المرارة الى الحلاوة وهو من اجل الفوائد التي تشد اليها الرحال فمن ذلك ان تاخذ مكوكاً من ملح ويخلط بمثله من الرمل الماخوذ من نهر جار وينجم تحت القمر والنجوم ليلة ثم يوخذ فيدر على اصل النهر ويلقى فى البئر فى كل يوم سبع حثيات ملء الكف اليمين وما حملت فقط فانه عند استكمال ذلك تبين من الزيادة شئ كثير وله طريق اخر وهو ان يعمد الى العين فيحفر على بعد ثلاثة اذرع منها حفيره عمقها ذراعان ثم يحفر على استدارتها حفاير عده كذلك ثم يشعل فيها النار بخشب الطرفا او القصب البابلى ثلاثة ايام متوالية لا يفتر عن الوقود الا فى وقت يكون مقداره قصير المدة ثم يجمع بعد ذلك ما حصل له من الجمر فى تلك الحفائر ويغطى الجمر بالرماد ويتركه كذلك حتى يبرد وبرودها يكون فى يومين وليلة او فى يوم وليلتين فان الماء يزيد ينبوعه ويكثر وعلى هذه الصفة يكون عمله فى الابار ذوات الغور والعمق وهو ان يحفر بِئرا على مقدار عمق تلك البئر حتى يعلم ان الحفر قد افضى به الى موضع فيه موازات الماء الذى فى البئر فاذا علم ذلك فليوقد فيها النار وليكن خشبا صلبا اما خشب الزيتون او الكمثرى او التوت او ما اشبه فان تعذرت فخشب الغرب لكن مع كل شئ يوقد في هذه الابار والعيون من خشب الطرفا (١٣) شئ فان ذلك هو المعين وليكن وقوده ثلاثة ايام بلياليها عند بعضهم دائما ثم يتركها يوما واحدا ثم تطم تلك البير وتترك فانه يظهر لها زيادة كميه من الماء عجيبه وهذا العمل ربما غير طعم الماء الى خلاف طعمه ان كان عذبا غير عذوبته الى الملوحة وان كان مالحا جعله عذبا باذن الله تعالى قلت اما استحالة الماء العذب ملحا فقد يحكم العقل به باعتبار العادة واما عكسه ففيه بعد ونظيره استحالة الطعام الى الرجيع دون عكسه فان قيل ما الحكمة فى ان بعض البقاع ماؤها حلو دون البعض قلت نقل الجلال السيوطى رحمه الله ونفعنا به انه قال اخرج ابن ابى حاتم عن ابى سعيد الخدرى رضى الله تعالى عنه انه قال خرجت اريد اشرب ماء المر فمررت بالفرات فاذا الحسن والحسين فقالا يا ابا سعيد اين تريد قلت اشرب ماء المر قالا لا تشرب ماء المر فانه لما كان زمن الطوفان امر الله سبحانه وتعالى الارض ان تبلع ماءها وامر السماء ان تقلع فاستعصى عليه بعض البقاع فلعنه فصار ماؤه مرا وترابه سبخا لا ينبت شيئا انتهى وفى عدم اقتصاره على لفظ سبخا مع التقييد لعدم انبات شيء دافع ما لعله ان يرد ان بعض البقاع الشريفة متصفة بمرارة الماء مع سبخ التربة فتفطن ونقل القطب المكى عن القاضى حسين المالكى المكى المشهور انه ذكرت بمجلسه اية لو نشاء لجعلناه حطاما وهو قوله لو نشاء جعلناه اجاجا (١٤) ان اللام تزاد للتاكيد وذلك ان جعل الزرع حُطاما مما قد يفعله الانسان بخلاف جعل الماء اجاجا فانه ليس فى قدرة الانسان فلما كان كذلك اكد الله عز وجل نسبته الى نفسه دفعا لتوهم مدخلية الانسان فيه ولم يؤكد الثانى لعدم جريان التوهم فيه وهذا من خصائص القاضى حسين المذكور وقد رايت بعض العلماء سئل عن الحكمة فى زمزم مع كونها اشرف الابار وقد جمعت من الفضائل مالا يشاركها غيرها فيها وهى غير شديدة الحلاوة بل لا تخلو من نوع ملوحه هى عين الحلاوة فاجاب بان مكة شرفها الله تعالى عين الدنيا ولا بدع ان كان ماء العين مالحا وهو جواب من اللطف بمكان عظيم والذى لاح لى من الجواب عند تأليف هذا الكتاب ان الحكمة فيه اظهار فضل ذلك الماء لذاته لا لوصف زائد فانها لو كانت شديدة الحلاوة ربما اسند ما ورد فيها وعلل بالحلاوة وانما كان لخصوصية بذلك الماء والله اعلم حيث يجعل رسالاته وفيه ارشاد الانسان بان الله سبحانه وتعالى يضع اسرارا عظيمة فى بعض مخلوقاته مخالفة لما يقتضيه ظاهر الحال اذ ظاهر الملوحه وعدم الحلاوة يقتضى الفضوليه لكن ورد فى الحديث ان الله سبحانه وتعالى لا ينظر الى صوركم بل ينظر الى قلوبكم ومن تامل ذلك بعين قلبه استخرج منه مالم يخطر (١٥) على بال ولى في الغيب أمال وما مياه اراضى المدينة فمختلفة جدا فمنها الحلو العذب كابار العقيق ووادي الجرف وجفاف وابار قبا لا ينكر فضلها كالقويم وبئر اريس وكان مجرى مائها الى المدينة الشريفه على وجه الارض بسانيه على قنطرة اثارها باقية تخرج ببطحان على خط الطريق نقله السيد محمد كبريت واما ابار العالية فهى هماج الا ما شذ مع كون ارضها اصح من كثير الجهات المدنية بل وفيها الماء المر الذى لا ينتفع به وكل ذلك لا يخلو عن حكمة ولم ار لذلك نظيرا الا الانسان فانه جمع انواعا فى ذلك الحلو والمالح والمر لحكمة عظيمة تكفلت بها كتب الحكمة ويقال ان اليهود والنصارى اتفقوا في زمن الشيخ ابى بكر الباقلانى على المناظرة مع المسلمين ويرجع كل منهم الى ظهر حقيه مذهب الاخر فجلس سلطان الكفرة في موضع جعل بابه قصيرا جدا وارادوا بتقصيره دخول الشيخ ابى بكر منه لينحنى تعظيما لسلطانهم وان لم يكن من قصده التعظيم فلما دخل الشيخ دخل على قفاه مستدبراً له فساله النصارى وقالوا ان نبيكم يقول اهل الجنة ياكلون ويشربون ولا يتغوطون وقال تجرى انهار ثلاثة خمر وعسل ولبن في موضع واحد ولا يختلط بعضها ببعض وقال في الجنة سدرة (١٦) المنتهى لم يكن من بيوت الجنة بيت الا وهو فى ظلها وقال اهل الجنة يجامعون ولا يحملون وقال يُعطيهم الله ما يريدون ولا ينقص من خزائن ملكه شئ وانتم تقولون ان كل ما في الجنة فله شبيه في الدنيا فما اشباه هذه فاجاب الباقلانى بان الاول نظير الجنين فى بطن امه يتغذى من لبن امه المستحيل عن دم الحيض وليس له فضلات واما الثانى فنظيره ما فى العين والاذن والفم فان ماءها واحد ويخرج منه الى العين مالح والى الاذن مر والى الفم حلو ونظير الثالث الشمس اذا كانت على سمت الراس اضاءت لاهل الدنيا ونظير الخامس سراج يد إنسان لو سرج منه جميع أهل الدنيا ما نقص منه شئ ثم قال انا اسالكم سوالا واحدا ما على باب الجنة مكتوب فاطرق رئيسهم فاقبلوا عليه يوبخونه فلما تعب منهم قال ان اجبته صدقتمونى قالوا نعم قال مكتوب على باب الجنة لا اله الا الله محمد رسول الله فاسلم واسلموا كلهم ومما ينبغى التنبيه عليه (١٧) ان الماء بحسب طبعه ابرد من الارض وقد ذكرالشيخ في الاشارات ان الهواء ارطب من الماء بطبعه للبرودة فى الغاية وللرطوبة فى الغاية قال البهاء العاملى وكشكوله وهنا اشكال وهو ان الماء يجمد باستيلاء البرد عليه واذا كان غاية البرد مقتضى طبعه كان الجماده بمقتضى طبعه وعدم الجمادة لملاصقته الهوا الحار المانع من العود الى مقتضى طبعه ومما يدل على الجمادة بمقتضى طبعه ان الجمد ماء لم يتسخن بامر خارج لا يذوب واذا كان الجمادة بمقتضى طبعه لم يكن رطبا بطبعه فاما ان يلزم ان غاية البرد ومقتضى طبعه او ان الرطوبة ليست مقتضى طبعه وكلاهما خلاف ماهم عليه كذا قيل وفى هذا الاشكال تامل لا يخفى على المتامل انتهى