Ibn Baṣṣāl, Kitāb al-qaṣd wa’l-bayān.

[P.49] الباب الثالث في ذكر السرقين

اعلم ان السرقين المستعمل فى صناعة الفلاحة ينقسم الى  سبعة أنواع: فزبل الخيل والبغال والحمير نوع واحد، ثم زبل الآدمى ثم الزبل المضاف وهو المؤلف من الكناسات وغيرها، ثم زبل الغنم، ثم زبل الحمام، ثم رماد الحمامات، ثم المولد وهو زبل يتخذ عند عدم هذه الزبول من الحشيش والتراب وسنذكره فى موضعه. ومن السرقين ما لا يستعمل وهو للنبات كالسم مثل زبل طير الماء والخنازير فالقليل من هذا الزبل يهلك الكثير من العشب، فينبغى ان يتحفظ منه كل التحفظ، ونحن نذكر كل نوع منها على حدته ان شاء الله

فصل: فاما زبل الخيل والبغال والحمير فحار رطب وحرارته اكثر من رطوبته وهو زبل جيد محمود يستعمل كما هو اذا نقى من التبن او مما يخالطه من غيره، ولا يكون استعماله كما هو دون تعفن الا فى فصل البرد خاصة، واذا مكث هذا الزبل عاما كثرت حرارته وتمكنت رطوبته واعتدلت مع الحرارة فعند ذلك يصلح استعماله فى كل شىء من النبات. وان ترك عامين كان احسن وافضل ما بعد ثلاثة اعوام عند ذلك يصلح لكل ارض ويجود به كل نبات وهو بعد ثلاثة اعوام افضل الزبول لان طبعه طبع الحياة الحرارة والرطوبة تحيا به الخضر وتنعم ويوافق ما هو لها فى الاعتدالين. ويوافق هذا الزبل الارض الرملة لاجل بردها فيعد لها ويحسنها.

{P.50} فصل: واما الزبل الآدمى فطبعه الرطوبة واللزوجة1 ولا حرارة فيه وهو زبل ممات ملائم يوافق النبات ويصلحه فى زمن الحر لانه رطب لا حرارة فيه ولا يبوسة، فينبغى ان يعرف قدره وعظيم فائدته وان يعد للاغراض التي تدخل على ورقات الصيف مثل القرع والباذنجال والبصل والقنبيط وغيرها من الخضر وذلك انها اذا احترقت اخذ من هذا الزبل وطرح على رأس الجرد من الجانب الذي ينصب فيه الماء ويرش ذلك الزبل بالماء حتى يرجع فى هيئة الطين ويحلل فى جرى ويسقى ذلك النبات المحترق به فيحيا عن قريب ويصلح

فصل: واما الزبل المضاف وهو ذو حرارة ورطوبة ولزوجة وملوحة ولاجل هذه القوى المجتمعة فيه صار من افضل الزبول واشدها موافقة للارض والماء لاجل اللزوجة التي فيه، لانه ان كان فى الارض او فى الماء حروشة لينتها تلك اللزوجة، ولا سبيل الى  استعمال شىء منه الا بعد عام وما يجاوزه الى  ثلاثة اعوام كان افضل، ومتى استعمل قبل العام تولد منه حيوان يضر بالنبات ولا يوافقه الارض ولا يلتئم معها، لان كثير البقل يحتاج الى  تنقية حسنة وتقطيع دايم شيئا بعد شىء، وما ترك كان احسن له لان أجزاءه مختلفة الاجناس، فلا تأتلف الا بعد مدة مكث طويلة تنضج اخلاطه فيها وتعتدل، ولا ينبغى ان يستعمل بعد عام واحد الا عند الضرورة اليه، وهو زبل قوي مبارك ذاك2 يقوم القليل منه مقام الكثير من غيره اذا استعمل بعد تعفنه وتطييبه كما ذكرنا

فصل: واما زبل الضأن فحار رطب وهو دون ما ذكرنا من الزبول قبل هذا لانه يكثر فيه العشب اذا استعمل قبل التعفين من اجل ان الضأن تأكل الحشيش وتستكثر منه، فلا ينضج فى بطونها فتبقى زريعته لم تتغير فتلقيه فى بعلها3 كما اكلته، فاذا {P.51} استعمل قام مع النبات وغلب عليه فان هو ترك قليلا حتى يعفن ويطيب وتموت تلك الزريعة التي فيها كان حسنا، واحسن ما هو اذا خلط من غيره من الزبول وترك قليلا فبعد ذلك يصلح لكل ما يستعمل من الخضر وغيرها ولا ينبغى ان يستعمل وحده قبل ان يعفن الا عند الضرورة اليه.

فصل: واما زبل الحمام فهو ذو حرارة مفرطة ورطوبة شديدة ولا يبوسة فيه بوجه، وهو غياث النبات الذي قد ضعف وتحير من شدة البرد، فتجعل له منه يسيرا فانه يقوم من يومه ويحيى من حينه، وينبغى ان لا يستعمل منه عند الحاجة اليه الا اليسير، لانه بمنزلة النار اذا غلب، ولا يستطاع بعد ذلك اصلاح ما افسد.

فصل: واما زبل الحمامات أعنى به الرماد ذو يبوسة وملوحة ولا رطوبة فيه، وهذه القوى التي فيه لا توافق الخضر والنبات، ولا يستعمل وحده الا فى تحلية الارض خاصة اذا كانت ارضا حسنة او حرشاء، فيطرح عليها الرماد ويفرق عليها فيصير سلسا عند ذلك، وبالجملة فانه زبل غير محمود، لانه رماد تركته النار فلا شىء من الرطوبة فيه، فهو كالحيوان الميت الذي فارق الروح ليس فيه من الطبائع التي كانت تقيمه شىء، فهو لا يتركب من شىء من الطبائع ولا ينضاف اليه بوجه الا انه اذا خلط مع غيره من الازبال صلح وتكونت فيه رطوبته. ولا يستعمل وحده الا فى تحلية الارض خاصة الا ان يطول مكثه ويألف الهواء ويفارقه تأثير النار ومع هذا لا يقوى قوة غيره من الأزبال

فصل: واما الزبل المولد فهى ثلاثة أضرب وهى تستعمل اذا عدم الزبل فى جهة من الجهات

الضرب الاول يؤخذ من اصناف العشب والتبن ويحفر حفرة على قدر ما يحتاج منه وتملأ تلك الحفرة من العشب {P.52} والتبن والرماد اى رماد امكن من الحمامات والافران وغيرهما ويصب على الجميع ماء بعد ان تملأ الحفرة كما ذكرنا وان كانت بموضع ينزل عليها ماء المطر، فماء المطر يعفنه ثم يخدم الزبل خدمة جيدة ويقلب مرارا كثيرة ويواظب بالتحريك والتقطيع، فانه سريع النضج بذلك ويأتى معتدلا جيدا يقيم الارض ويحيى النبات ويتصرف فى الوجوه كلها ويوافق فى الازمنة الأربعة، وهو زبل نقى لا يخالطه حجر ولا جلود ولا عظام كما يخالط سائر الزبول، الا ان الزبل المضاف اقوى منه على كل حال.

الضرب الثاني هو ان يؤخذ حمل من زبل مضاف ويضاف اليه ثلاثة احمال من التراب وتخلطه معه وتحرك مرة بعد مرة فيترك عاما ويتعاهد بالتحريك والخدمة فانه يأتى منه زبل جيد بعد العام، وكذلك الزبول كلها لا ينبغى ان تستعمل الا بعد عام وكل زبل يستعمل قبل تمام العام فهو غير محمود لانه زبل نئ يمرض الارض ويدخل الدواخيل، ومن اراد استعجاله قبل تمام العام فلينضجه ويطيبه بزبل الحمام، وصفة ذلك ان يجمع الزبل من كل ناحية ويجلب من حيث امكن فاذا اكملت المزبلة وانتهت الى حد المراد دخل اليها وسويت وعدلت ثم يحفر فيها حفرا مفترقة وتغمق [وتعمق؟] قليلا ويطرح فى كل حفرة من زبل الحمام ويرد الزبل على فم الحفرة ويترك يسيرا ثم يتعاهد الى  شهر ونحوه فانه يؤخذ زبلا نضجا متناهيا فى الجودة معتدلا كأنه زبل ثلاثة اعوام، فهذا وجه استعجال الزبل لمن احتاجه وكيفية ما تريد استعجاله، فبحسب ذلك تطرح من زبل الحمام وهو زبل قوى جيد ان شاء الله تعالى

{P.53} والضرب الثالث ان يؤخذ زبل الحمام ويطرح اليه عشرون حملا من تراب ويترك عاما فانه يأتى فيه زبل جيد قوى متمكن الحرارة والرطوبة وقد ذكرنا قبل هذا ان الزبل المضاف يضاف الى الحمل منه ثلاثة احمال من تراب وذكرنا هنا فى زبل الحمام يضاف الى  الحمل منه عشرون حملا من تراب. ذلك لحرارة الزبل اعنى زبل الحمام وقوته، فينبغى لصاحب هذه الصناعة النظر فى مثل هذا واشباهه ليلا يدخل عليه الغلط [الغلظ؟] والتفريط والله الموفق للصواب


 

1فى الاصل: "اامزوجة"

2 لعله زاك

3 لعله بعرها

تسمية أبواب هذا الكتاب وهي ستة عشر بابا الباب الأول: في ذكر المياه الباب الثاني: في ذكر الأرضين الباب الثالث: في ذكر السرقين (السماد) الباب الرابع: في اختيار الأرض وتدبيرها الباب الخامس: في غرس الثمار الباب السادس: وهو باب جامع لمعرفة كيفية ضروب الغراسات الباب السابع: في تشمير الثمار (تشذيب الأشجار) الباب الثامن: في تركيب الثمار بعضها من بعض (التلقيح) الباب التاسع: وهو باب جامع لبعض معاني التركيب وأسراره وغرائب من أعماله الباب العاشر: في زراعة الحبوب من القطاني وما أشبهها الباب الحادي عشر: في زراعة البزور المتخذة لإصلاح الأطعمة مثل التوابل وما أشبه الباب الثاني عشر: في زراعة القثاء والبطيخ وما أشبههما الباب الثالث عشر: في زراعة البقول ذوات الأصول الباب الرابع عشر: في زراعة خضر البقول الباب الخامس عشر: في زراعة الرياحين ذوات الزهر وما شاكلها من الأحباق الباب السادس عشر: وهو باب جامع لمعان غريبة ومنافع جسيمة من معرفة المياه والآبار واختزان الثمار وغير ذلك مما لا يستغنى عنه أهل الفلاحة