Ibn Baṣṣāl, Kitāb al-qaṣd wa’l-bayān.


[P.91] الباب الثامن فى تركيب الثمار بعضها فى بعض ومعرفة ما يتركب منها وما لا يتركب والاخبار عن الاقاليم السبعة واهويتها وطبائعها

اعلم ان التركيب يحتاج الى بحث ونظر وتدبير وكشف لعلله، لان الاعراض الداخلة عليه كثيرة والتركيب فيه صلاح الثمار يعجل فائدتها وبركتها ويقرب ما بعد منها وينبغى لمستعمله ان يحسن النظر والفكرة حتى تعلم الثمار التى تقبل الغذاء قبولا جيدا او التى لا تقبله قبولا جيدا وتعلم الثمار المستغنية عن الغذاء وتنظر الى رقة ماء كل ثمرة وكثرته من قلته وتناسبها فى ذلك وتقاربها وكذلك ايضاً تنظر فى المعمرة منها وغير المعمرة وما هى وسط بين ذلك وتبحث عن طبائعها وغرائزها لتعلم المنافر منها والمساعد والمتقارب والمتناسب، ثم رصد الوقت وارتقاب الهواء ومراعاة الزمن الموافق لكل نوع فالعوارض الداخلة على التركيب واسبابها دقيقة وسنبين من ذلك ما فيه كفاية ان شاء الله تعالى

ومما يستعان به على علم التركيب معرفة الاقاليم السبعة واهويتها وبعدها من الشمس وقربها ونحن نتكلم على نوع كل اقليم منها ما يحتمل كتابنا هذا مما لا يسع جهله اهل هذه الصناعة وبالله التوفيق

الاقليم الاول: مخصوص بالحرارة واليبوسة بقرب الشمس منه ولا يجود فيه من الشجر الا ما كثر دسمه وقويت رطوبته مثل شجر اللبان والفلفل وما اشبههما، واما النبات الخفيف فلا يوجد فى هذا الموضع الا بادمان عليه وهذا الاقليم ماؤه ثقيل ذو دسم {P.92} غليظ متكاثف. والتركيب لا يمكن الا فى الثمار الكثيرة الماء الرطبة الباردة وسيأتي فيما نبين هذا فيما بعد ان شاء الله تعالى

الاقليم الثانى. هو اقل حرارة ويبوسة من الاول ويجود فى هذا القطر من الثمار مثل الاهليلج والمقل وثمار شجر اللبان وشجر ام غيلان ومن النبات مثل الميثا والادخر وما جرى مجراه وينبت فيه النخل اذا غرس فيه ويتمكن، الا انه لا يجود الا بالماء والتركيب لا يمكن فى هذا القطر ايضاً والعلة فيه على نحو ما ذكرناه فى الاقليم الاول:

الاقليم الثالث: هذا الاقليم كثير الشجر والنبات ينجب فيه مثل الاترج والنارنج واللامون [الليمون؟] وما كان مثل هذا الشجر الذى لا يسقط ورقه ويجود فيه النخل ويسقى وبغير سقى ويجود فيه الرمان وشجر التين والاجاص، واما التركيب فيتمكن فى بعض ثمار هذا الاقليم وذلك فيما كثر ماؤه منها ولطف جوهره وجرمه من اجل ان الحر فى هذا الموضع قوى فمتى قطع شىء من الشجرة اثر فيه قوة الحر فى اى زمان كان وان ركب فيها اعجله الوقت واسرع الماء عنه بالخروج والتركيب لم يتمكن فيجف سريعا ويردفه الحر القوى فيحذف رطوبة الشجر والماء فى هذا الاقليم انما هو على قدر ما يتغذى به الثمار لا يفضل منه شىء فان اعتدى فى شجرة منها اقل جرح دخل اليها منه الضرر فهذه علة هذا الاقليم

الاقليم الرابع: هذا الاقليم افضل الاقاليم واعدلها تجود فيه جميع الشجر ويستوفى اعمارها وكل شجرة تركب تلتئم ولا تنفصل اذا كانت من الشجر الذى يتركب بعضه مع بعض لتناسبه، واما الذي لا يتناسب فلا يتركب الا بوجه ضعيف من التركيب وسنذكره ان شاء الله بعد هذا

الاقليم الخامس: هذا الاقليم كثير البرودة والرطوبة، والرطوبة فيه اكثر من البرودة يجود فيه الشجر وتصلح الزراريع والحبوب وتستغنى فيه عن السقى الكثير وفى هذا الاقليم يستطاع على التركيب {P.93} كله لا يفوت منه شىء ولا يضر فيه الشجر ما قطع منها ولا ما شمر بل تصلح بالتشمير اذا ارتقب لها الوقت الذى يوافقها وهذا الاقليم اكثر الاقاليم موافقة للتركيب وكذلك فى غرس الشجر والنبات الخفيف الذى يتحطم من عامه والله اعلم

الاقليم السادس: هذا فى طبعه بارد رطب وبرودته غالبة على رطوبته وهو كثير المياه وما غرس فيه من الشجر والحبوب لم يحتج الى السقى بالماء الا فى السنين المحلة ويكفيه ماء المطر وبه يتخلص ولا يجود فى هذا القسم كل الشجر لان منها ما يضعف عن حمل الرطوبة ويضيق عن ذلك فيتساقط وهذا القسم كثير الضرو الحريق ولذلك لا ينجب فيه كثير من الثمار وذلك مثل الاترج والليمون والياسمين وما اشبههما.

فأما التركيب فى هذا الاقليم فيثبت ويتهيأ فى جميع الثمار كلها المتناسب منها والمتباعد اذا عولجت وحفظت كل ثمرة منها فى القطع والشق وغير ذلك لان شجر هذا القسم وغضارته ابدا دائمة ورطوبته متمكنة وبرد الهواء مشتمل عليه فلا تؤثر الشمس فيه ولا ترفع لطايف مواده لبعد هذا القسم عن الشمس فصفا ماء شجره ورق ولطف جوهره فيثبت التركيب ويحسن لهذا المعنى والله اعلم

الاقليم السابع: طبعه البرودة والرطوبة والغالب عليه البرودة وهذا القسم قليل الثمار الطعمة لا تنجب فيه لاجل الاهوية الباردة والاندية بعضها على بعض وتكاثفها  لا تصل الى الشمس الى رفعها فيعفن النبات وينقطع بذلك واذا كانت الشجرة لا تنجب فيه فالتركيب ابعد ان يتمكن فيه.

فصل: ومما ينبغى ان يعلم ايضا ويستعان به فى علم يتركب فى الرتم والورد ويتركب التفاح مع الاجاص والاجاص الاسباب فى ذلك واعونها، وهى اربعة اجناس: ذوات الادهان وذوات الاصماغ وذوات الالبان وذوات المياه، فهذه الاجناس لا {P.94} يركب جنس منها مع جنس آخر، وانما يتركب كل جنس منها فى نوعه، فذوات الالبان لا تتركب مع ذوات الاصماغ ولا ذوات الاصماغ مع ذوات المياه ولا ذوات المياه مع ذوات الالبان وكذلك سائرها، وانما يتركب ذوات المياه بعضها فى بعض وكذلك ذوات الاصماغ بعضها فى بعض وكذلك سائرها وهذا فى الغالب من احوالها

واعلم انه قد يكون من ذوات المياه ما لا يتركب بعضه فى بعض وكذلك من ذوات الاصماغ والالبان والادهان ومنها ما يتركب بواسطة وحيلة وذلك لتنافرها وتضادها، فذوات المياه التفاح والاجاص والسفرجل والرمان والعنب وما اشبهها وذوات الاصماغ مثل البرقوق واللوز والحب وعيون البقر والخوخ والمحلب وما اشبهها وذوات الادهان مثل الزيتون والرند واللبان والضرو وما اشبهها وذوات الالبان مثل شجر التين والزيتون والدفلى وما اشبهها، فهذه امهات الاجناس، وقد تكون انواع هذه الاجناس اجناسا لنوعها امثال ذلك التفاح هو اسم جنس وهو يتنوع انواعا كثيرة ويشتمل عليها اسم واحد فالتفاح يتركب انواعه بعضه فى بعض بلا واسطة ايضاً، وكذلك الرمان فى انواعه والعنب فى انواعه فالتفاح والسفرجل والرمان والاجاص وان كانت جنسا واحدا اعنى انها من ذوات المياه فان منها ما لا يتركب بعضه فى بعض الا بواسطة كالتفاح والسفرجل والاجاص ومنها ما لا يتركب اصلا كالتفاح مع الرمان لما بينهما من التنافر والتباعد.

واعلم ان ذوات الاصماغ اشد تمكناً فى التركيب من ذوات المياه، لان من ذوات المياه ما يتنافر الى ابعد غاية كما قدمنا وذوات الاصماغ يتركب كل نوع منها بعضه فى بعض لا يبطل منه شىء كاللوز مع عيون البقر والبرقوق مع الخوخ ومع الحب ولكل نوع تركيب ينفرد به وعمل وآلة وسنبين ذلك ان شاء الله تعالى.

فصل: واعلم ان بين هذه الاجناس الاربعة التى هى امهات الاجناس المتقدم ذكرها جنس خامس متوقف بينهما [بينها؟] يميل مع كل {P.95} جنس منها، وهى ذوات المياه والمواد التى لا تسقط لها ورقة فمن هذا الجنس ما يميل الى ذوات الاصماغ مثل الصنوبر والسرو وما جرى مجراهما ومنها ما هو مايل الى ذوات المياه مثل الليمون وغيره، ومنها ما يميل الى ذوات الادهان مثل النارنج والاترج وما اشبهه ومنها ما يميل الى ذوات الالبان مثل الدفلى وما اشبهها ومنها اشجار متوقفة لا يدرى الى اى نوع هى مائلة وذلك مثل الجوز وغيره.

فصل: اعلم ان من الاشجار ما ينعكس بعضه من بعض فى التركيب ومنها ما لا ينعكس، فمن ذلك فى ذوات المياه ان العنب يتركب فى الرتم والورد ويتركب التفاح مع الاجاص والاجاص مع السفرجل وينعكس معه فى التركيب ومعناه ان الاجاص يركب فى السفرجل والسفرجل فى الاجاص ويتركب الرمان فى الجلنار وينعكس معه فى التركيب وكذلك السمع مع المشتهى وكذلك الاترج يتركب فى نفسه ومع غيره وينعكس، ومن ذوات المياه ايضاً القبقب1 والصفصاف والنشم هذه ايضاً تتركب الا انها تحتاج الى لطف ومعاناة لان منها الصليب العود والرخو ومنها ما يلقح فى الزمان غير الزمان الذى يلقح فيه غيره فيحتاج ان تقصد بكل شكل الى شكله وتدبر ذلك بقياس صحيح واما ذوات الاصماغ فان الخوخ يتركب مع البرقوق والبرقوق مع الخوخ وكذلك الحب مع عيون البقر وينعكسان فى التركيب وكذلك الجمير2 مع الدفلى.

واما ذوات الاذهان [الادهان] فان الزيتون يتركب مع اللبان وينعكسان فى التركيب وكذلك السرو مع الرند وكذلك الريحان مع الرند.

فصل: اعلم ان التركيب ينقسم فى العمل الى خمسة اضرب ونعوتها الروى [الرومى] والشق والانبوب والرقعة والانشاب، فاما {P.96} الرومى فهى لجميع الثمار والزيتون يتركب بالرقعة وبالرومى والشق اذا كان مصونا بالقواديس والتين يتركب بالوجوه الاربعة بالرقعة والانبوب والشق والرومى والانبوب له خاصة لا يشاركه فيها غيره، واما الانشاب فهى نوع من التركيب ينشب به جميع الثمار بعضها فى بعض وسنصف وجه العمل فيه ان شاء الله تعالى.

فصل: اعلم انه قد يدخل على التركيب عوارض وعلل وذلك لقلة معرفة اهل هذا الشأن وسنذكر منها جملاً وننبه منها على معان ينتفع بها ويحتاج الى معرفتها فمن ذلك اخذ القلم ومراعاته فى هيئته وامتلائه وقوة مائه ونشر الفروع من الثمار واخراج المنشور منها بالمناجل الحادة من اجل الاحتراق الذى يتولد فيها عند النشر: وان يراعى الشق فى الفروع ليتوسط به ويكون له سكين يستعمل على هيئة سكين الحداد الذى يشفر به حوافر الدواب لان من الناس من لا يراعى هذا، فاذا هو نشر الثمرة ضرب بمنجله يريد شق الفروع ليتوسط بالشق فيخونه فيضربه فى غير النصف وربما ضرب ضربة لا يستحسنها فينزل عليها ضربة اخرى وكذلك يتخذ للتركيب السكين المذكور لانه يضعه فى نصف الفروع ويضرب عليه ويشقه شقاً جيداً على قدر ما يريد وكذلك ينبغى ان يتخذ لهذا المعنى الحديد القاطع الاملس ويرتصد للتركيب اليوم الطيب المعتدل ومن نشب فى التركيب فى صدر اليوم وكان طيباً ثم تغير عليه بريح عاصفة او هواء بارد فقد قيل ان كان فى اول الشهر والقمر ظاهر على وجه الارض كان احسن له وكذلك فى الغرس ان شاء الله

فصل: وينبغى ان يوخذ القلم فى يوم طيب معتدل الهواء وان تغير الهواء بعد ذلك وتكرر فليدفن الاقلام تحت الارض الى ان يصبح الهواء فى اليوم الثانى والى ثمانية ايام ولا يضرها ذلك وتبقى برطوبتها ولا ينبغى ان تحبس فى الماء هذه المدة لان الماء يجذب رطوبتها فتفسد بذلك وانما يجعل منها الاقلام فى صلاحها {P.97} وقوة موادها، وكذلك ينظر الى الثمرة التى تركب فيها وبحسب ذلك يكون التركيب وينبغى ان يتخير القلم بان يكون متقارب العقد متمكناً فى صحته سليماً من الزبول والضرر ويكون غلظه نحو الخنصر وارق وذلك ان الرقيق رخص يقبل الرطوبة وتندفع المادة فيه سريعا والغليظ بضد ذلك ثم يبرى القلم بريا محكماً يكون طول البرية قدر نصف الاصبع او قدر برية القلم الذى يتركب به وتكون محلوبة (كذا) ولا تكون مستوية ويكون الجانب الواحد ارق من الآخر فى هيئة شفرة السكين ويكون الرقيق من البرية هو الذى يلى حرف الفرع والغليظ منها يلى الهواء ويلصق الجلد بالجلد حتى لا يمتاز بعضه من بعض اذا نزل فى شق الثمرة، وعلى مثل هيئة الشق تكون البرية لان الشق يكون فى اعلاه اوسع مما فى اسفله ينزل نزولا محكما كانه مخلوق فيه، وان كانت البرية مستوية موافقة فقد صنع لها فى الجوانب ركائب والالم تكن تلك البرية موافقة ونزلت نزولا فاتراً، واما الشق الذى ينزل فيه القلم، فوجه العمل فيه ان يقصد الى الفرع الذى يراد تركيبه او الثمرة بعينها وتنشر الفروع منها، ثم يخرج موضع النشر بالمناجل القاطعة الحادة ويرمى به لان موضع النشر قد تولد فيه احتراق ثم يوخذ السكين المستعمل للشق المتقدم وصفه، ويتوسط  نصف الفرع ويضرب ضربا لطيفاً على قدر ما يشق الفرع مقدار البرية ثم يخرج ذلك السكين من الشق وينزل فيه منقار الحديد لينفتح الشق ويهبط القلم فيه ويبلغ الى حد الشق ويدخل مرغوما ثم يخرج المنقار فيزداد القلم وثاقا ثم يربط عليه بخيط الصوف وينزل القادوس عليه، وهذا التركيب هو المحمود المضمون ان شاء الله عز وجل

فصل: واما القلم الرومى فبخلاف قلم الشق، لان برية هذا القلم تكون على هيئة قلم الكاتب الا انها تكون لها ركايب تبلغ الى نصف جسد القلم لا يجاوزه ويبرى من ناحية واحدة، فاذا برى {P.98} كما ذكرنا نحت من ظهر البرية القشر وينزل القلم بين جلد الثمرة والعود وذلك بعد قشر الثمرة واخراج النشر منها على ما تقدم ثم توخذ حديدة مستعملة لحيازة جلد الثمرة تكون على مثل الاشفى مبسوطة الطرف محدودة الجوانب قاطعة تكون معدة لهذا المكان تدخل بين جلد الثمر وعودها، وتحاز حيازة جيدة على قد البرية فقط، ويكون ذلك فى وقت جرى الماء فى الثمرة التى يراد تركيبها لاجل انفصال الجلد من عود الثمرة، لانه ان كان فى غير هذا الوقت لصق الجلد بالثمرة ولم ينفصل عنه، وينقطع اذا دخل الحديد الذى يحاز به، فوجه العمل ما ذكرناه وان خيف عليه ما وصفناه ان يشق الجلد فليربط بخيط ثم ينزل القلم وتدخل بريته حتى تنزل الركايب المصنوعة فى آخر البرية على الفرع وتلصق به ويشد الموضع شدا وثيقا ثم يبيض بالطين الابيض ويأتي جيدا ان شاء الله تعالى

وانما وصفنا الطين الابيض به لبرودته ورطوبته ولزوجته فاذا طلى به الفرع لصق به ووافقه، والطين الاحمر يضر ذلك لحرارته ويبسه ومع ذلك انه ينشق فتدخل الشمس من تلك الشقاق الى التركيب، فيوهنه فالابيض احسن الا ان لا يوجد فيستعمل الاحمر، وقد يوافق الاحمر فى المواضع الباردة، ومن احب ان يخفى التركيب فى قادوس ويخفيه ويملأه بالتراب كان ذلك حسنا جيدا وهو اثبت وابقى واسلم من الآفات والعوارض، ويسقى التراب الذى فى القادوس بالماء فى القب ويتعاهد الا يجف وهو احسن لجميع التركيب ان شاء الله واحسن ما يكون هذا التركيب الرومى لشجر التين من اجل قشرها الموافقة له، وينبغى ان لا توخذ الاقلام من الموضع البالى الصليب فيكون دون مخ اذا اخذت من هذا الموضع، فاذا بريت جعل فى الماء لتبقى برطوبتها ولا تبلغ بالبرية الى مخ القلم ليلا يتجاوز البرية نصف غلظ القلم ويكون القلم فى نزوله تلى قشرته قشرة الجرم، وعوده عود الجرم، {P.99} فاذا نزل على هذه الرتبة صنع له القادوس ولا يكتفى فيه بالطين لعلة سنذكرها بعد فى باب ينفرد بذكر هذا واشباهه ان شاء الله.

واما تركيب شجر التين بالشق فهو ايضا على ما وصفنا قبل هذا، وينبغى ان يقصد الى القضبان الرقاق من الجنس المستحسن وتكون بالية لانها اصلب اذا كانت معقدة بالية، ثم تفصل الاقلام يكون طول قلم نحو الشبر ونصفه ثم تبرى على نحو ما ذكرنا فى الباب الاول فى قلم الشق، وذلك انه يكون على هيئة اللزاز يكون طرفه رقيقا مبسوطا واعلاه غليظا، وتكون للبرية رقبة كرقبة السكين، لتكون تلك الرقبة مما يلى جنب الجرم ثم يعمد الى الثمرة التى يراد تركيبها وتقطع بعد ان ينظر اليها والى ما هى فيه من القوة وقدر المادة ويفرق عليه القطع ويترك لها من الفروع قدر ما تحتمل ثم يشق الفرع كما ذكرنا وتنزل الاقلام فى ذلك الشق ويجعل فى كل فرع منها قلمان فى جنبى الفرع ويجعل بين القلمين على الشق جلدة من الشجر ويشد رأس الجرم المقطوع على الاقلام بخيط الصوف شداً جيداً وتصنع له خلخال من خرق او حشيش ويشد بالخيط شدا وثيقا ويكون موضع الخلخال تحت القطع بمقدار شبر، ثم يوخذ قادوس ويثقب فى اسفله ويرد مثل فمه وينزل على ذلك الخلخال المصنوع فى الجرم، ويراعى فى نزوله ليقع موقع التركيب منه فى نصف القادوس ويتعاهد بالسقى كما ذكرنا قبل هذا ولا يكون هذا التركيب فى شجر التين الا فى وقت جرى الماء فيه، واما تركيب شجر التين بالرقعة فوجه العمل فيه ان يقصد الى شجر التين التى يراد تركيبها وتقطع فى شهر يناير، وينبغى ان يكون القطع منها فى الاماكن التى يجتمع فيها الفروع، فاذا قطعت تركت حتى يضرب فيها اللقح فاذا كان فى آخر مائه وهو اول ينيه قصد الى الاعين من الفروع وتعمى لترتدع المادة وترجع الى الثمرة ويفعل ذلك بها قبل التركيب بثمانية ايام ونحوها، فاذا جاز الوقت الذى يركب فيه قصد الى الشجرة التى {P.100} يستحسن نوعها وينظر الى الاقلام المشاكلة التى تقرب من هذه التى يراد التركيب فيها، ويقطع منها على قدر الحاجة وتحاز من كل واحدة منها رقعة بقدر طول الاصبع وتكون حيازة الرقعة برفق وسياسة، وبالحديد الموصوفة قبل هذا التى على مثال الاشفية، وينبغى ان تكون الحدايد متماثلة للفروع فاذا كان الفرع غليظاً كانت الحدايد غليظة وان كان رقيقاً فبحساب ذلك وتخرج الرقعة سليمة من قطع وجرح، فاذا كمل ذلك عمد الى القلم الذى يراد التركيب فيه ويشق فيه على قدر الرقعة فى الشطاط ويترفق بذلك الشق ويمر به على نصف العين من القلم وينزل على الجلد يمينا وشمالا ويوسع عليه من تحت الجلد لتدخل الرقعة فى ذلك الموضع ثم توخذ الرقعة وتنزل فى ذلك الموضع وتراعى فى النزول ان يفتق عين الرقعة مع عين القلم الذى يركب فيه، وتدخل الرقعة تحت الجلد ثم ترد عليها قشرة القلم ثم تسقى بلبن الشجرة تشد بالرباط شداً [؟] وثيقا وتغذى باللبن المذكور يفعل ذلك بها حتى تلتم [تلتئم؟] الرقعة مع القلم ويصيرا شيئاً واحدا، ثم ينظر بعد ذلك الى ما خرج معه وحوله من الفروع الصغار فتقطع باليد لترجع المادة الى اللقح وتتقوى.

وهذا التركيب تركيب محمود ان شاء الله تعالى، وعلى هذا يكون تركيب الزيتون بالرقعة ايضا، وتقطع ثمرة الزيتون فى يناير الا انها لا يضيق عليها بالقطع ويترك لها من الفروع على قدر ما تحتمل ثم يكمل العمل فيها على ما تقدم فى شجر التين، وكذلك شجر الزيتون بالشق والرومى يكون فى شهر ابريل لا يتأخر عن ذلك، ولا يحتمل الزيتون ان تأخذ منه اقلام وتوضع تحت الارض كما ذكرنا فى سائر الثمار التى يسقط ورقها، وذلك ان مواد الزيتون وما اشبهه يتردد فيها ابدا لا تخلو منها ويدل على ذلك ان ثمار الزيتون اذا كان فيه الحب وهم بالطيب ان المواد تختلف {P.101} فى الحب باختلاف الهواء وذلك انه اذا كان الهواء باردا او يكون معه جليد كثر الزيت فى الحب، فاذا رطب الهواء وانكسرت حدة البرد كثر الماء فى الحب عوضا من الزيت الذى كان فيه وينحصر الزيت كله الى نفس الثمرة الا اليسير هـ[؟].

فصل: واما تركيب شجر التين بالانبوب فهو تركيب جيد ولا يكون الا فى شجر التين خاصة، ووجه العمل فيه ان تقطع شجرة التين فى شهر يناير على حسب ما وصفنا قبل هذا ثم يقصد اليها فى آخر مايه قبل ان تركب بثمانية ايام وتقطع اعين اللقح التى صارت فيها، وتترك من ثلاثة عقد مما يلى الجسم لتنزرع المائية فيها، ثم يقصد الى الجنس المستحسن الذى يراد ان يركب منه ويتخير منه اقلام على هيئة تلك، وفى نعتها وتكون سباطاً لا ذات عقد غلاظ وفى رقتها مثل المسلة او اجسم قليلا وتحذف بالقطع وترد الى قدر الاصبع ونحوه، ويترك فى كل واحدة منها عقدة واحدة لا غير، ثم توخذ الحديدة المعدة لهذا الشأن وهى التى ذكرنا قبل هذا وتدخل بين الجلدة والعود ويحاز حيازة جيدة يدان بالحديدة من كل حول ثم تحول من الجانب الآخر ويفعل بها كذلك حتى تنفذ بها الى المكان الاول حتى تتخلص الجلدة والعود ثم يقصد الى تلك الاقلام التى يراد التركيب فيها وتشق الجلود منها وتهبط ويبقى القلم مجردا دون جلد ثم يوخذ الانبوب المجرد اولا ويلبس به هذا القلم ويراعى نزوله وذلك ان تنزل العقدة بحذاء العقد التى فى القلم العريان فاذا فعل به ذلك سقى بلبن شجر التين حتى يلتئم كما ذكرنا ويقرب اللقح فيه ويأتي جيدا وما خرج حوله من اللقح قطع كما ذكرنا قبل هذا وهو تركيب جيد مضمون

فصل: واما تركيب الدوالى فوجه العمل فيه ان يقصد الى الجنس الجيد منها فيوخذ من قضبانها الرقاق المتقاربة العقد ويفصل اقلاما كل قلم منها من شبر ونصف وتكون كل برية منها {P.102} من نصف اصبع ولا تبلغ فى بريتها الى مخ القضيب، وتكون فى كل برية منها عقدة، فهو اثبت واقوى للبرية فاذا فعل هذا بها جعل فى الماء ليلا يجففها الهواء ثم يقصد الى الجرم الذى يراد التركيب فيه فيكشف عنه من وجه الارض نحو شبر ثم يقطع بالمنجل قطعا معتدلا، ثم يوخذ المنقار ويوضع فى نصف ذلك الجرم المقطوع ويضرب عليه حتى ينفتح ذلك الجرم ويتسع فى نفسه ثم توخذ الاقلام البرية وينزل منها فى الجرم قلمان فى جنبى الجرم ويتسع فى نفسه ثم توخذ الاقلام المقطوعة ويراعى فى نزول الاقلام ان تغيب البرية كلها فى الجرم وتكون قشرة القلم متساوية مع قشرة الجرم المقطوع وتكون البرية على ما وصفنا قبل هذا وذلك ان يكون فى هيئة اللزاز طرفه رقيق وفوقها غليظ ليوافق الشق المصنوع وينطبع معه فاذا نزلت الاقلام على هذه الصفة الرطبة اخرج المنقار من الشق فيضم الجرم عليها ويزمها ثم توخذ قشرة من الدالية وتجعل بين الاقلام على الشق ليسد الخلل ويستره ثم يرد التراب عليها دون ان تشد برباط ولا غيره ويترك من الاقلام على وجه الارض مقدار العقدتين ونحوهما، فاذا فعل ذلك بها جعل على تلك الاقلام قضيبان يصلبان عليها لتكون علامة عليها فى وقت الخدمة ليلا تصاب بالحفر وغير ذلك فيكون هذا التركيب فى وقت جرى الماء فيها وذلك فى شهر مارس فيكون اقرب لنباتها واعجل لضرب لقحها ان شاء الله تعالى.

صفة اخرى: وقد تركب الدوالى ايضاً بخلاف هذا وذلك انه قد يكون منها الدالية الكبيرة العالية فيشق من قطعها لانه لا يقع مثلها فى اعوام، ولكن وجه العمل فيها ان يقصد الى الجنس المستحسن الذى يراد التركيب منه وتوخذ القضبان منه على الصفة التى تقدم ذكرها ثم تبرى على الصفة المذكورة ثم نجعل فى الماء ليلا يغيرها الهواء ثم يعود الى الجرم المركب فيه فان {P.103} كان لطيفا قطع بالمنجل قطعاً متساويا وان كان ذا فروع متفرقة نشر ثم يخرج موضع القشر بالمنجل ليمسح عليه مسحا خفيفا ثم يشق الجرم بالسكين المصنوع لهذا الشأن ثم تنزل الاقلام نزولا جيدا يحرز القلم مع جنب القلم لتستوى3 قشرة القلم مع قشرته وتغيب البرية كلها فى الجرم ينزل منها فى كل جرم قلمان كما ذكرنا قبل هذا، فاذا نزلت الاقلام اخذ خيط الصوف المبروم وشد به على الجرم مما يقرب من القطع ليزم على الاقلام ثم نصنع فى الجرم خلخال ويوضع عليه القادوس على حسب ما ذكرنا قبل هذا، فاذا نزل وتمكن اخذت قشرة من الزرجونة وتجعل بين القلمين على الشق نصفه ويملأ القادوس بالتراب ويجعل عليه من الرمل شىء ويسقى بالماء فى الغب ويترك كذلك حتى يلقح وما لقح حوله واسفله قطع ولا يترك منه شىء لان المادة ترجع اليه وهذا التركيب مضمون محمود يضرب من عامة الذى ركب فيه اثنى عشر شبرا واكثر من ذلك ويبقى الجرم بحاله دون ان يقطع وقد يطعم هذا التركيب فى العام الذى يركب، ومن عدم القواديس للتركيب فيصنع ظروفا من ديس او حلفا ويملأها بالتراب او الرمل كما يفعل بالقواديس وتسقى بالماء مرتين فى الجمعة واعلم انه لا يحتمل ان يركب شجر الصنب بالرومى ولا بالرقعة بالانبوب لان قشرته لطيفة فانما يركب بالشق وحده

فصل: واما تركيب الرند فى الزيتون والزيتون فى الرند فلا يكون الا فى التركيب الرومى، ووجه العمل فيه ان تنحت الاقلام من احسن ما يكون واقوى واثبت وانظر وتكون كثيرة العقد عقدها متقاربة وتبرى على نحو ما تقدم وكذلك انزالها، وسائر العمل كل ذلك كما وصفنا فيما مضى من الابواب ثم يصنع لها الخلخال والقادوس ويثمر ان شاء الله تعالى

{P.104} فصل: واما تركيب الانشاب فانها تركب فيه الثمار المتنافرة والمتباعدة فى الطبع الا انه لا يكمل ولا يلتئم الا بعد مهلة ومرور زمن عليه ووجه العمل فيه ان تقصد الى شجر يراد ان ينشب بعضها فى بعض تمكنت ويقرب فى الغراسة بعضها من بعض فاذا اغلظ جرم الثمرة التى يراد ان ينشب بها وتمكنت الاخرى التى يراد ان ينشب منها قصد الى ذلك الجرم الغليظ ويثقب فيه ثقبة ان شئت فى نصف الجرم او دونه او تحت الارض عند الاصل ويوخذ فرع من الثمرة التى يراد ان ينشب منها ويدخل على ذلك الثقب المصنوع فى نفس الجرم ويخرج من الجانب الثانى ويترك كذلك فلا يزال الجرم يغلظ على الفرع والفرع ايضا يغلظ بانجذاب المادة اليه ويمضى عليه كذلك عام وثان الى ان ينسد ذلك الثقب بهما جميعا ويغلظ الجرم والفرع ويرجع غذاء الفرع من الجرم ويستغنى عن اصله فاذا كان كذلك قصد الى الفرع المدخول فى نصف الجرم فيقطع منه ما بين الجرم الذى هو فيه والاصل الذى قام منه ويمسح بالقطع ولا يترك منه فى ذلك الجانب شىء ويترك ما خرج من الجانب الثانى فيصير الجرم فيه الفرع اصل الفرع، ويتغذى ذلك النوع من الجرم فيكون كأنه منه وهذا هو وجه العمل فى الانشاب، وهكذا تنشب الدوالى فى عيون البقر وفى التوت وفى الصفصاف، واذا نشب العنب فى عيون البقر اتى عنبا طيباً ويبكر واذا نشب فى الصفصاف استحال طعمه.


 

1 القيقب؟

2 الجميز؟

3في الاصل: لتستوفى

تسمية أبواب هذا الكتاب وهي ستة عشر بابا الباب الأول: في ذكر المياه الباب الثاني: في ذكر الأرضين الباب الثالث: في ذكر السرقين (السماد) الباب الرابع: في اختيار الأرض وتدبيرها الباب الخامس: في غرس الثمار الباب السادس: وهو باب جامع لمعرفة كيفية ضروب الغراسات الباب السابع: في تشمير الثمار (تشذيب الأشجار) الباب الثامن: في تركيب الثمار بعضها من بعض (التلقيح) الباب التاسع: وهو باب جامع لبعض معاني التركيب وأسراره وغرائب من أعماله الباب العاشر: في زراعة الحبوب من القطاني وما أشبهها الباب الحادي عشر: في زراعة البزور المتخذة لإصلاح الأطعمة مثل التوابل وما أشبه الباب الثاني عشر: في زراعة القثاء والبطيخ وما أشبههما الباب الثالث عشر: في زراعة البقول ذوات الأصول الباب الرابع عشر: في زراعة خضر البقول الباب الخامس عشر: في زراعة الرياحين ذوات الزهر وما شاكلها من الأحباق الباب السادس عشر: وهو باب جامع لمعان غريبة ومنافع جسيمة من معرفة المياه والآبار واختزان الثمار وغير ذلك مما لا يستغنى عنه أهل الفلاحة