Ibn Baṣṣāl, Kitāb al-qaṣd wa’l-bayān.

[P.55] الباب الرابع في اختيار الارض واصلاحها

اعلم ان مما تعرف به طيب الارض وشرفها ان تنظر الى  ما ينبت فيها من العشب وقلته وكثرته وغضارته، وكيف هو فى اقباله وادباره، فان كان عشبها من العشب الذي ينبت فى بطون الاودية والمواضع الرطبة علمت ان تلك الارض فيها البركة وعلى ما تحمله من العشب وقلته وكثرته تحمل من الزرع والنبات

فصل: وينبغى ان تعدل الارض قبل الغراسة وتسوى ويؤخذ التراب من المكان المرتفع ويجعل فى المنخفض حتى يستوى جرى الماء عليها، ويستوفى كل موضع منها من الماء حقه ويكون تعديل الارض بان تزنها بميزان الماء وهو الذي يعرف بالمرجيقل، واذا كانت الارض طيولة1 واحتيج الى  تعديلها فان ذلك ان عولج بالنقل بالزرع من موضع الى  موضع صعب لكن لها وجه تعدل به بأيسر كلفة وهو ان يصنع لها الجاروف وهى التي يجذبها البقر وهى معروفة عند ائمة الفلاحة، فاذا عدل الارض اخذ فى غرس الثمار بعد ان يخط لها فى الارض خطوطا مستقيمة حتى لا تخرج منها ثمرة عن حد صاحبتها لتقابلها الريح2 من اى ناحية هبت، وتستوفى كل ثمرة من الريح والهواء حقها ويجعل بين ثمرة وثمرة اثنتى عشرة ذراعا

فصل: اعلم ان الارض فى طبعها بالجملة يابسة لا اختلاف فى ذلك، الا انه يتولد على وجهها العشب، فاذا غمرت ذهبت {P.56} الرطوبة منها وضعفت مادتها فتحتاج الى التقوية بالزبل لما فيه من الحرارة والرطوبة، الا ان هذا يمكن فى القطعة اللطيفة من الارض او الحبة، واما الارض العريضة العظيمة فلا يستطاع ذلك فيها والذي يقوم لها مقام الزبل وهو القلب3 ومعنى القلب ان تحرث ويرد اعلاها اسفلها مرة بعد مرة ويشرع فيها من نصف شهر يناير وفبراير الى  النصف من مارس او الى اوله ثم يرجع على حرث ما حرث ويحرث ويلينه ويعمله عملا جيدا الى  نصف ابريل او الى  قريب من مايه، ثم يحول عليها بالتثليث الى  آخر مايه ويتركها للحر المفرط وهى قد امتزج بعضها ببعض ورقت بشرتها وذهبت فضولها، فان تنزل عليها الماء فى شهر يونيه ورويت من الماء فلتحرث عند ذلك ويكون هذا حرثا رابعا ثم تترك ولا تتعرض بعد هذا ولا تزاد على اربع سكك او اثنين ان كانت الارض طيبة، لان الشعير فيه رطوبة قوية فيلائم الهواء والارض فتسرع بركته ثم يترك مفتوحا للحرث يجذب رطوبته ويعفن عشبه ويطبخ مدة طول الحر فتتمكن فيه الحرارة والرطوبة فاذا كان فى اول فصل الخريف ونزل عليه الماء وثرى وهذا العمل يعدل الزبل ويفوقه لان الارض تنفتح مسامها بالحرث ويسرى الهواء الحر اليابس فى داخلها ويعم جميع أجزائها ثم ترطب بالماء، ومع ان حرارة الهواء الطف من حرارة الزبل واوفق، واذا كان ابتداء القليب فى شهر يناير كما ذكرنا كان احسن لان فى ذلك الوقت يبدأ العشب بالنبات ولا اصل له فى ذلك الوقت وعمدة العمل على هذا الحرث الاول اذا خرق خرقا جيدا اسهل على العامل الثانى والثالث والرابع، وقد يحتمل الكروم اكثر من اربع سكك لوجوه سنذكرها بعد هذا ان شاء الله تعالى، وينبغى ان لا تقلب الارض قبل يناير لانه ان فعل ذلك بها وتواترت الامطار عليها فى يناير تسيلت الارض التي حرثت وترجع كما كانت واشد ويتمكن بها الماء {P.57} فيذهب رطوبتها جملة واحدة لا سيما ان وافقها عند الفراغ من حرثها، فالوجه ان يبدا بحرثها من نصف يناير ومن اوله اذا كان

قليل المطر الا ان يزرع فى القليب الكرسنة او الحمص او المقاثى  فيبتدئ4 متى احب ان شاء الله اول دجنبر او فى نصفه ويكون موضع الكرسنة او الحمص او المقاثى قليلا بعد ذلك

فصل: اعلم ان الارض التي يزرع فيها ثلاثة اضرب بور ومعمور وقليب، فالبور ارذلها للزرع وان كانت فى ذاتها طيبة ولا تصلح حتى تحرك بالقليب او بالتزبيل لانها ارض راقدة هامدة، واما المعمور فهو الحصيد وهى افضل من البور على كل حال لا سيما ان كان الحصيد من زرع قد كان على قليب، وقد كانت الارض بورا، والقليب الذي على سكة واحدة افضل من العمارة الطيبة واصدق فى الزرع، واما الذي هو من سكتين فهو اجود وافضل والذي ثلاث واربع هو المتناهى فى الجود ولا شىء يعدله لا الزبل ولا غيره، وقد ذكرنا علة ذلك وهو بين لا يخفى الا عند الضعفاء من اهل الفلاحة، واذا نزل الماء على الارض اول اكتوبر وكان الماء على قدر ما تروى به كان ذلك حسنا جيدا كانت الارض عند ذلك قائمة بنفسها مستحكمة فى صحتها فان تكاثر عليها الماء بعد ذلك ودام عجزت عن حمله وثقلت به ودخل عليها العوارض من اربع جهات وهى برد الماء وبرد الهواء وبردها وبعد الشمس عنها ومما يستدل به على مرضها ان ينظر اليها فى هذا الفصل وهى تحرث، فان رأيت ارضها لا تجرى وتنقطع مدرا صغيرا فهو بدء مرضها فان تركت حتى تخف مما اثقلها من البرودة والرطوبة التي فيها كان حسنا وان تقوى الحال بها وترادف الماء والهواء المتكاثف عليها وانقطع الارض لها عند الحرث مدرا كبارا او صغارا فهى مريضة لا محالة لا يصلح ان يزرع فيها فى ذلك الوقت شىء غير {P.58} الترمس لا اكثر وتركها عند ذلك احسن من حركتها لخياطة الزريعة وصيانة الارض وان حركت فى ذلك الوقت اضر بها ذلك من العام القادم وزادها ذلك مرضا الى  مرضها لانها متى حركت ثم خرج عليها الشمس فى فصل الربيع والصيف اشتد ذلك وصارت على صفة خبث الحديد وانزمت على ما زرع فيها من النبات وقطعته سريعا، ولا يكون فيها منفعة الا بالقليب. واما اذا نظرت اليها عند الحرث على ما تقدمنا فرأيت ارضها تنقطع مدرا عظيما من اول الخط الى  آخره متصلة بعضها ببعض لا صغار معها، فهذه الارض موات لا خير فيها ولا بركة وسميناها عند ذلك مواتا، لان جميع ما يزرع فيها يموت، ولا تصلح لشىء من الزراعة ولا الغراسة، وكذلك وقت تقليب ينبغى الا تحرث اذا كانت على هذه الحال حتى تخف.


 

1طويلة؟

2بالاصل: "الرحيل"

3بالاصل: القليب

4في الاصل: "فيعتدى"

 

تسمية أبواب هذا الكتاب وهي ستة عشر بابا الباب الأول: في ذكر المياه الباب الثاني: في ذكر الأرضين الباب الثالث: في ذكر السرقين (السماد) الباب الرابع: في اختيار الأرض وتدبيرها الباب الخامس: في غرس الثمار الباب السادس: وهو باب جامع لمعرفة كيفية ضروب الغراسات الباب السابع: في تشمير الثمار (تشذيب الأشجار) الباب الثامن: في تركيب الثمار بعضها من بعض (التلقيح) الباب التاسع: وهو باب جامع لبعض معاني التركيب وأسراره وغرائب من أعماله الباب العاشر: في زراعة الحبوب من القطاني وما أشبهها الباب الحادي عشر: في زراعة البزور المتخذة لإصلاح الأطعمة مثل التوابل وما أشبه الباب الثاني عشر: في زراعة القثاء والبطيخ وما أشبههما الباب الثالث عشر: في زراعة البقول ذوات الأصول الباب الرابع عشر: في زراعة خضر البقول الباب الخامس عشر: في زراعة الرياحين ذوات الزهر وما شاكلها من الأحباق الباب السادس عشر: وهو باب جامع لمعان غريبة ومنافع جسيمة من معرفة المياه والآبار واختزان الثمار وغير ذلك مما لا يستغنى عنه أهل الفلاحة